-A +A
عبدالرحمن محمد المطوع
قاطف الرياح، اسم لمهنة من يقوم باختيار مواقع محددة في جبال فرنسا لإنتاج جبنة الريكفورد الشهيرة، أو الجبنة ذات العفن الأزرق والأخضر المسمى بالبنسيليوم.
ولو رأيتم كيف يتعامل هذا الرجل مع الأقبية والكهوف التي تخزن فيها الجبن لأشهر، وطريقة تلمسه بقفاز أبيض ناصع لتلك الدرر الجبنية، لاكتشفتم لماذا يتقاضي آلاف اليوروهات شهريا ؟ إنه التخصص.

التخصص وتحديدا تخصص التخصص هو السر الذي يجب أن نفهمه في عالمنا المعاصر، فلم تعد الأمور كما كانت في السابق، فلا الطبيب العام يعالج كل العلل، ولا المهندس يهندس كل المباني والمصانع وحتى خطوط الإنتاج ومنصات النفط. إن ما يسعد صاحب المال حينما يرى أن ما خطط له قبل إنشاء المشروع تحقق. ويدرك أن سر هذا بعد توفيق الله، هو التفاني وبناء المنظومة الإدارية القوية والفنية والتقنية، مع اختيار الأشخاص القادرين على تحقيق تلك الرؤى بشكل متميز، وهنا يأتي التخصص.
ينطبق على ما سبق أيضا مسألة كتابة السير المهنية للباحثين عن العمل، فكلما أجاد الشخص كتابة مكنوناته الإدارية والفنية وعكسها على سيرته المهنية، نجح بلا شك في هذا العمل، مع اختياره المناسب للمكان الذي يتقدم له، ولا يكون مجرد وظيفة حسب القول المألوف تمشية حال.
ابن صديقي يبحث عن عمل وهو صاحب شهادة من كلية محترمة، والده أصابه نوع من الإحباط، لدرجة قوله لي: أبغاه يشتغل في أي مكان المهم يبدأ. رأيت في كلامه عدم إنصاف، فالشهادة قيّمة، والبداية الخاطئة قد تجعله يضيع وقته في مكان لا يقدره، وبالتالي ينعكس عليه سلبا في الإنتاجية، النمو، والإبداع، ويصاب بالإحباط تدريجيا.
قلت له: ابحث عن المكان الذي يساهم في نمو قدراته ويعززها، وليس المكان الذي يدفع له فقط، فالكل يدفع مقابل العمل، ولكن هناك من يدفع أقل ويعطيك خبرة وتدريبا وتأهيلا وإمكانات تساعدك في القريب أن يصبح دخلك أضعافا مضاعفة لو أحسنت صقل موهبتك العملية.
لهذا، ابحث عن قاطف الرياح، ولا تواجهها دون سلاح علمي مهني تقني قادر على شق صعاب الحياة.